آخر شئ خطته أصابعي الهوجاء ..
لا أعلم ما مدى جمالها أو امكانية نشرها أصلا ..
لكن ..
ها هي ..

دخلت الى المكان شبه متوجسة ، فهي أول مرة لي أدخله ، جرجرتني والدتي وراءها كالمقادة الى المذبح ، وجل ما كنت أريد أن افعله أن اصفف شعري ، لكن يبدو انني كنت مخطئة في ظني حين قلت لوالدتي انني كبرت ..
حينما دخلت ، حاولت ان ارسم على وجهي علامات الارتياح وعدم الدهشة حتى لا تظن والدتي اني طفلة بلهاء ، لكن في الحقيقة كنت متفاجئة ، ما كل هذا الصخب ، الزحام ، والدخان ..
في خضم كل ذلك وبعدما جائتني لحظة عمى سيكولوجي ، وجدت يد سوداء ترتفع في وجهي
قال : ازيك يا عسل .. ؟
نظرت اليه ، ببلاهة شديدة ولولا انني قد قطعت عهدا على نفسي ألا أبكي لكنت بكيت من لون وجهه المتفحم ، وبكل ما استجمعت من قوة على اصطناع الهدوء : أهلا يا عمو .. !!
قال وهو يقلب الضمائر : أنت جاي تعمل شعرك ؟
أومئت برأسي بشك ، وتشبثت بطرف ثوب والدتي أكثر فأكثر ..
فقال وقد ظهرت اسنانه ناصعة البياض : حخليك زي القمر يا جميل ... !
كل دفاعاتي ومحاولة اقناع والدتي اني فتاة كبيرة قد ضاعت هباء حين جلست تحت ( السيشوار ) ، وكنت شديدة العجب كيف أمكن اذن لكل هؤلاء السيدات احتمال ذلك الألم الهائل بأبتسامة سعيدة على وجوههن !!
كان ( عمو علي ) هو ( كوافيري ) كما يقلن السيدات ، لكن حينما انتقلت من بلدتي الى بلدة أخرى لم أعد أذهب اليه ..
عدت الى مدينتي بعد اعوام عدة ، والآن ها انا على باب ذلك ( الكوافير ) أذكر كل الايام التي مرت علي وانا هنا ، وكل المناسبات التي قضيتها هنا ..
رفعت الستار ودخلت ، لم يتغير كثيرا ، انه هو نفس المكان ، بصخبه وزحامه ، ربما كثر زحامه بعض الشئ ، لكن شيئا لم يتغير ..
تقدمت خطوات الى الرجل المسن المتفحم البشرة ، ربتت على كتفيه
قلت بصوت عالي بسبب صوت السيشوار في يده : ازيك يا عمو .. !! ؟
التفت وراءه ، وصاح صيحة لبست لها مثيل : هييييه ، ازيك يا بنت ، كدا تغيب كل دا ؟
ضحكت : لسه فاكرني ؟
قال : طبعا ، ومين ينسى بنته ، اللي له روح خفيفة !!
لا تزال لكنته كما هي لم تتغير ، رغم مكوثه بالبلاد فترة طويلة ، الا انه لازال لا يتقن العربية ..
رفع يداه وامسك بكتفي : انت هتقعد معايا النهاردة ، نحكي مع بعض .. !!
قلت : لكن .. !
قال : مفيش لكن .. واشار بيده الى المقعد المجاور له : اقعد هنا !
قلت بأبتسامة : حاضر !!
كانت الفتاة التي تجلس على المقعد امامه ، سمراء ، ذات ملامح مريحة ، حين بدء بتسليط ذلك الوهج الجهنمي عليها ، بدء يقول : شايف الجميل دا .. ؟ دا كان بيجيلي وهو صغير اوي اعمله شعره .. !! وكان عنده شعر حلو !!
قلت ضاحكة : قصدك ايه بكان دي بأة ؟
قال : طالما بعدت عن هنا يبقى اكيد شعرك مش زي زمان !
قلت : ربنا يطمنك . .
نظرت الي الفتاة بأبتسامة واومئت ايمائة صغيرة ..
حينما انتهى من تصفيف شعرها ، جاء جالسا جانبي ، قائلا : لا أنت بقيت اسمر خالص ، دا انت قربت تبقى اغمق مني !
ضحكت عاليا : لا مش للدرجة دي !
قال : شفت البنت اللي خرج دا ، دا خطوبته بعد كام يوم ، بس مغصوب ع الجواز ، أهله منعوه يتجوز اللي بيحبه ، صعبان عليا اوي .. !!
اشار بيده اشارة خفيفة : شايف دا .. ؟
اشار بيده الى سيدة شابة ترتدي عباءة سوداء ، وتضحك بصخب ، والسيجارة تلهو بين يديها
اومئت برأسي ، ولكن دونما ينتظر اكمل : دا متجوز ، وحامل ، وبرده مغصوب ع الجواز ، عشان كدا هي ناوي يقتل البيبي شكله بالتدخين دا ، حرام والله !!
اومئت موافقة ، استطرد : وصحابها بيقولوا اتها بتخون جوزها !! تخيل ؟
قلت معلقة : خسارة !! ليه كدا ؟
قال : مش بيحب ، مادام مش بيحب ، هيعمل ايه يعني ؟
قلت : عندك حق برده !!
قال : شايف دا اللي جنبه .. ، دا صاحب السوء ، هو اللي بيخليه يعمل كدا ، ومش بينصحه !! أخلاقه وحشة خالص ..
اومئت وقد دار رأسي من قلب الضمائر هذا ...
قال : شايف المدام اللي هناك دا . . دي عنده ولدين وبنت ، بنته جميل اوي زيك ، والولدين الاتنين في الكلية ، وابوهم مات ، ومامتهم هو اللي بيعمل كل حاجة ، بيصرف ، وبيأكل ، وبيشتغل ، وبياخد باله منهم ، بس الولدين وحشين اوي بيشربوا وبيسهروا دايما برة ومصاحبين ناس وحشين ، ومش مراعيين امهم اللي بيشتغل وبيتعب علشانهم !!
ما عدت أدري ما الذي يمكن ان اقوله ، لم يحكي لي كل هذا ، ما كنت اريده سوى ان يحكيلي عن أحواله ، وما الذي ان يمكن اعلق به على ما يحكيه . . !!
قال : شايف دا بأة .. دا مش من هنا ، دا من بحري ، جوزها بيشتغل هنا ظابط ، وهو قاعد هنا معاه ..
دار رأسي اكثر ، من هو ، ومن هنا ؟
قاطعته أخيرا : ايه يا عمو ، أنت اخبارك ايه ؟
ظهرت على وحهه علامات الدهشة وكأنه سؤال عجيب لم يسبق ان وجه اليه من قبل ، وقال : انا ... الحمدلله !
قلت بأبتسامة : لا يعني احكيلي الجديد .. !!
رفع يداه بعلامة خاوية : مفيش جديد .. !
قلت وقد بدأت افهم لم كان يحكي لي كل ذلك العبث : امال ايه أخبار الناس في البلد ؟
قال : معرفش .. !!
نهض من جلسته جانبي وقال بصوت عالي : يلا يا جميل يا اللي قاعد عشان نعملك شعرك .. !
قلت : انت مسافرتش ؟
قال : لا .. !!
قلت : يعني امتى آخر مرة .. ؟
قال : آخر مرة ، قبل ما أنت تجيني بسنة .. !!
قلت : السنة اللي فاتت ؟
قال : لا .. !!
قلت : امال لما جيت امتى ؟
قال : اما جيت وكانت ماما سحباك عشان تعمل شعرك ، فاكر ؟ وانا قلتلك " حخليك زي القمر " .. !
لم أستطع الاجابة ولم أستطع ان اقول له أي شئ ...
دخلت من الباب فتاة في مقتبل عمرها ، واتجهت اليه ..
قالت : لو سمحت انا ممكن احجز هنا .. ؟
قال وبضحكة جميلة : أهلا بيك يا عسل .. !!
12\10\2008
هناك تعليق واحد:
كوافيــــــــر
كثيراَ ما تحملنا همومنا الشخصيه
للتلفح بأحزان وهموم وأخبار الآخرين
كى نوارى همومنا الثرى
كوافيـــــــــــر
يذوق كلماته ب العسل والجميل
يحلى مرارة الحقيقة بإبتسامة بسيطة
بقلب كبير ..
ياليتنا كوافيرات الأنفس
جميله يا هالة أخذتنى كثيراً
احترامى وحبى
إرسال تعليق