الجمعة، 28 أغسطس 2009

أمواج حياة !

جلست على تلك الرمال ، مشلولة الحركة ، لا تتزحزح عيناها يمينا او شمالا ، ثابتة ، اصوات البحر تصم اذانها ، والامواج تتدافع واحدة تلو الاخرى ، تري في زبد البحر ، بين الامواج ، اشكال شخوص تتحرك ، وتتجمع كل تلك الاصوات هدير الامواج والاشخاص على الشاطئ الضاحكين والمهللين وصوت انفاسها جميعها ، وتشكل همسات ، همسات عابرة من ماضيها ، مشاهد حية تتحرك بين تلك الامواج ، تذكر كل دقيقة في حياتها ، تحرك تلك السيجارة إلى شفتيها آليا ، تنفث الدخان كأنها تحاول ان تخفي تلك الامواج وتلك المشاهد التي تظهر امام عينيها ، لكنها تخترق كل ذلك الدخان الابيض ، مندفعة إلى عقلها !

عيناه المتلئلئتان وهو يقول لها انه يحبها ، وهي تطير في السماء من تلك الكلمة ، تشعر وكأنها ملكة الكون ، وكأن كل انفاس الحب تجمعت بين يديها ، حب العالم يخفق داخل قلبها ، وبكل تلك المشاعر التي اندفعت فجأة إلى داخلها لم تستطع ان تنبس ببنت شفة بل ظلت متسمرة تنظر إلى عيناه ولا تنطق بحرف ، وكأن كل تلك المشاعر جعلتها لا تستطيع ولا تجد كلمات لتعبر عنها ، سألها : ما قولك ؟ ، فقط هزت رأسها ببلاهة شديدة ، لا تعلم كيف تعبر عن فرحتها ، احست انها لو تود ان تقطع شوارع مدن الحب كلها كاملة ، وكأنها كانت تود لو تعبر داخل قلبه لتتنفس حبها داخله .. احبته ، ولا يمكن ان تقول اكثر من ذلك ، احبته بكل ما تستطيع من حب ، وكما ينتهي كل حب ، بلا سبب مقنع ، اسباب بلهاء حتى لا يمكن ان تقتنع انها يمكن ان تميت حبا كهذا ، لطالما كانت تعتقد ان عمرها كله ستقضيه بين يديه ، ولكن لأسباب لا يعلمها إلا الله وهو ، تكسر كل شئ في لحظات ، هكذا دون أي انذار ودون أي معنى .. !


حينما نعتها بالغبية ، تفجر داخلها الغضب ، واشتعلت عيناها احمرارا لا تعلم ان كان غضبا ام بكاءا .. كتمت صرخة غالبا ما تكتمها ، وحاولت ان يكون صوتها هادئا : لست غبية ! ، قال : نعم بالفعل ، فأنت اشد غباءا من تلك الكلمة ! ، نظرت إليها نظرة مكسورة ، لطالما قالت لها ألا تثير غضبه ، لكنها فعلا لم تفعل ..
- ماذا ألا تفهمين ،أبداخل تلك الجمجمة هواء يعيق التفكير !! بالفعل إنك .... ، تلك المرة لم تستطع ان تتحكم بصرختها ، لا ، لست ابدا بغبية بل أنت الغبي .. ، لاحت بوجهه العاصفة التي لطالما خافت منها ، حبا له وليس خوفا من رد فعله فقط ، قالت : منذ صغري وتنعتني بالغبية ، لقد هلكت من ذلك النعت ، لست بغبية ولا أشعر بذلك ! ولطالما قلت لي احيانا أمام أصدقائك اني ذكية ، قالها وهو ينحني على ما كان يفعله : ستظلين للأبد غبية !



تنحني عليها :انك افضل صديقة لي على الإطلاق ! ، تقول بحنو : سنظل للأبد صديقتان !!!



حينما جاءتها ، وتلك الابتسامة المزيفة المريرة تعلو وجهها بقسوة : كيف حالك ، عزيزتي ؟ ، حاولت ان تتصنع الابتسام لكنها لم تستطع ولم يبدو على وجهها سوى الشعور بالمرارة والحزن قالت بصوت مبحوح : أأنت بخير ؟
قالت الاخرى بإستعلاء : خير حال ! ، لم تتصاعد على وجهها إلا إبتسامة سخرية صغيرة : أتمنى ذلك بالفعل !
قالت ولا تستطيع ان تخفي تعبير الشماتة الذي اعتلى جبينها : ألازلت بلا زواج ؟! ، تصاعدت منها ضحكة مريرة وقالت لها : نعم ، الحمدلله ! قد تركت لك مثل تلك الاشياء فأنا لا أصلح لها .. فأنت تصلحين لذلك الدور !
قالت وقد بدى عليها الانزعاج : ماذا تعنين ؟ ، قالت بسخرية : يليق عليك دور المرأة العجوز التي لا هم لها سوى السخرية من أحوال الآخرين ! .. وقبل ان تتفوه الاخرى بشئ قالت لها : ما كنت صديقتي ولن تكوني ، بلغي تحياتي لزوجك وفارقيني !!

اقترب منها وقال : احبك ! ، نظرت إليه بإستغراب واستنكار : ماذا ؟
قال : ما الذي لم تفهميه من تلك الكلمة ؟
قالت بسخرية : لم أفهمها أصلا !
قال وقد اصبح الشعور بالذنب قويا داخله : أهناك أحد بحياتك ؟ !
ابتسمت ابتسامة تجمعت داخلها كل آلامها : أحد ؟؟ أنا ؟ لا ، ولن يكون !
قال : فلتعطيني فرصة ، سأكون غير هؤلاء الناس الذين ....
قاطعته بحدة : لا ، لا اريد ان استكشف عوالم جديدة بعد الآن .. يكفيني ما اختبرته !


اسندت رأسها إلى كتفيها ، تركتها تلهو بخصلات شعرها وما تشعر سوى بالهدوء والراحة بتلك الحركة ..
همست بأذنيها : احسك تضيعين من بين يدي يا ابنتي !
قالت : أنت الوحيدة التي لا يمكن أن أضيعها أو أضيع منها ، لم يتبق لي سواك !
ردت بأسى : ولكنني أشعر بك تذبلين كزهرة يانعة ربيعية في خريف قاسي !
قالت بأبتسامة : ومن قال هذا يا حبيبتي ، ها انا أحيا وبصحة جيدة ..
هزت رأسها : لست بحالة جيدة ، مكسورة من داخلك ، تصرخ داخلك مشاعرك المعذبة ، اشعر بك كل ليلة وانت تتقلبين بسريرك ، ليس بوسعي فعل شئ لأسعدك بنيتي ، لم احذرك كفاية مما ستلقينه في تلك الحياة !
قبلت جبينها : ولكنني ما عدت اهتم ، لا تخافي قد تخطيت ذلك ..
قالت وعيناها تتهيئان لدفع الدموع خارجهما : لكنني لم استطع ان اتخطاه ، آسفة يا حبيبتي ، لو كان بيدي ، لكنت غيرت العالم لمكان أفضل لأستقبال احساسك ومشاعرك المرهفة لكني لا استطيع ، لا استطيع فعل شئ لك ، انا عاجزة بالكامل !
قالت وقد احتضنتها بقوة : يكفيني انك لازلت معي ، باقية غير كل تلك الاشياء التي تتركني !



طرق على باب مكتبها الزجاجي ، لا تستطيع ان تستوضح ملامح من بالخارج ، بصوت ملؤه الادب : تفضل !
قالت : صباح الخير . .!
صاحت : لا أصدق ، انها انت ! أيتها الــ ....
كادت تحتضنها ، وما استطاعت ان تفعل فقد أبعدتها عنها برفق : نعم ، إنها أنا !
قالت : ماذا هناك ؟
همست بقسوة : ألا تعلمين ؟
قالت : لا ، ابدا ! لي مدة طويلة لم أرك ولم يكن بيننا اتصال ..
قاطعتها : أذن بمن كان اتصالك ؟
قالت بأستغراب : بلا أحد ، لم أتواصل مع احد نعرفه منذ شهور عدة .. !
قالت بحدة : ولا حتى هو ؟
قالت بإستنكار : هو ؟ ومن هو ؟
- ويا للبراءة ألا تعلمين من هو ؟
- إلام تلمحين ؟
- ألم تتصلين به ؟
- آه ، هكذا هو الأمر ، لا يا عزيزتي ، لم اتصل بأحد ، هلا هدأت !
- ابدا ، ستظلين هكذا ، حاقدة وتريدين ما ليس لك ..
- ماذا تقولين ؟ اجننت ؟
- لم أجن ، انك مزيفة ، كل تلك المبادئ التي تتخفين ورائها ، كان لابد ان اعلم انك لست حقيقية !
- ماذا هناك ؟ ما الذي يدور بعقلك بالله عليك ؟
- لم نعد سويا بعد الآن ، واحلك من كل وعود صداقتنا ، وتلك كانت غلطتي ..!
قد بدأت تستعيد وعيها بعد تلك الجملة : غلطتك ؟ حقا ؟ من منا الذي يلوم الآخر ؟ وماذا قدمت حتى أنت ؟ لقد قدمت لك كل شيئا عن طيب خاطر .. حتى هو كان لك وقتما أردتيه ، أكل ذلك وتظنين اني أخون صداقتنا ، ايتها الناكرة الجاحدة ، أتخافين مني ؟ اتختلقين سببا لفراقنا ؟ هكذا أنت ولطالما علمت وانتظرت تلك اللحظة ، لكنك بالفعل أبتكرت طريقة جديدة لفعلها ، لطالما كنت مبدعة .. حسنا سيدتي ، انا التي أحلك من كل شئ ، ومن كل وعود الصداقة بيننا .. وكأننا لم نتقابل يوما ولم أعرفك ، لا انت ولا هو !!



استسلمت لتلك السيجارة التي بين يديها ، وسحبت نفسا بقوة ، كادت تختنق به ، وتمنت لو كانت ميتة ، لكنها فتحت عيناها ، لترى البحر كما هو ، وتلك الامواج عادية تتدافع وراء بعضها كما هي ، وهؤلاء الناس الذين جلسوا بالجانب يتضاحكون كما هم ، وذلك البائع الذي يصيح بالحلوى بعيدا قد تحرك ابعد بقليل مما مضى ، هاتفها يرن ، تسكته ، يرن مرة أخرى ، لم تعد تحتمل أحدا ولا تحتاج لأحد .. نهضت وبكل تصميم جمعت كل آلامها وعذاباتها الماضية وامسكت الهاتف وبكل قوة ، رمت به بين الامواج المتدافعة !
حاولت ان ترسم الابتسامة وهي تراه يغرق داخل الامواج ، ثم مضت إلى الامام ، ممسكة بتلك السجارة ناظرة إلى هؤلاء الاطفال الذين بلعبون داخل الرمال،جلست وسطهم،تحاول ان تبني لها قلعة جانب قلاعهم الرملية!!
JaN DarK
23/8/2009
cairo
03:39 am

هناك 3 تعليقات:

Roxan يقول...

أتلك المأساة حقيقية ؟؟ أتمني أن تكون من وحي خيالك ... كم هي مؤلمة الحياة!!!

أحمد صـلاح يقول...

في انتظار تدويناتك

Unknown يقول...

thx

كشف تسربات المياة
غسيل خزانات
شركة نظافة عامة